بعد تنحى الرئيس السابق فى فبراير الماضى 2011 كانت هناك فرحة عارمة غمرت الشعب المصرى (معظم الشعب المصرى). وبالرغم أننى كنت من مؤيدى تركه للسلطة بطريقة مختلفة عن ما وصل إليه وإعتراضى على طرده، لكنى أيضا شعرت بالراحة لتخليه أو خلعه عن السلطة لرغبتى بإنتهاء الأحداث الدموية وحالة الإنفلات الأمنى وخوفى من وقوع مصر فى مجاهل الحرب الأهلية أو قد يحدث لها كما حدث فى العراق. بعد التنحى وإعلان إنتهاء النظام إستبشرت الناس بالمستقبل الجديد وكثرت الدعوات للتغيير. كان هناك فيديوهات تتخيل المستقبل المبهر الذى ينتظر مصر، ووزعت الأوراق التى تدعوا الناس إلى ترك الرشوة والمحسوبية وعدم معاكسة البنات وإحترام إشارات المرور ما يبرزالسلبيات التى تفشت فى المجتمع المصرى فى العقدين الماضيين. وأصبح وقتها التفاؤل سمة المواطنين (معظم المواطنين) وغير المواطنين. وبالرغم من أنى كنت أحاول أن أبرر لنفسى أسباب المستقبل المشرق ألا أننى كنت متشكك فى تغيير سلوكيات المصريين. أتذكر تحقيق نشرتة جريدة المصرى اليوم بعد الثورة بأيام قليلة عنوانه “عزيزى المواطن: أنت لم تتغير بعد” يبين الفوضى والمساوىء التى زادت بعد الثورة.
كان هذا الموضوع مثار نقاش حاد بينى وبين بعض أصدقائى من حزب الكنبة (قال يعنى ثورجية) يتهموننى بأننى ضد التغيير وضد الثورة ولكنى كنت متمسك برأي أن سلوكيات الناس لن تتغير وستظل كما هى بل وإزدادت سقوطاً كما تعرفون وذلك لسبب بسيط أن الناس هم أنفسهم سواء قبل الثورة أو بعد الثورة فالسقوط كان لبعض الرموز ولم نسقط الفساد نفسة وببساطة نحن لم نستورد شعب من الخارج فما الذى سيجعل الناس تتغير فى يوم وليلة؟ فالنظام السابق هم مصريين ومن قبلهم مصريين ومن أتى بعدهم مصريين وضباط الشرطة والجيش مصريين والثوار مصريين وأنا وأنت مصريين أيضاً ، فأين الفرق إذاَ؟
دعنى أذكرك ببعض أمثلة عن ما حدث بعد الثورة مباشرة :
-
فوضى مرورية فاقت سؤتها ماكان قبل الثورة وسائقى الميكروباص والأجرة الذين كامنوا يدعون أنهم دائما مظلومون من الشرطة هم من يقومون بإيذاء الناس والشرطة أيضاً (وإذا فتحت بقك حتنضرب!!)
-
-بالرغم أن الثورة تكونت وكبرت أساساً لمقاومة الفساد الذى إستشرى فى الأرض المصرية والمطالبة بالعدالة الإجتماعية بين المصريين، نجد أن المصريين أنفسهم هم من قاموا بالإستيلاء على أراضى الدولة والبناء على الأراضى الزراعية وبناء أدوار مخالفة وذلك بتاتوازى مع تظبيط المسؤليين فى الأحياء.
-
الناس مشيت فى مظاهرات لرفض والتنديد بعملية التوريث ونجد أن الناس أنفسهم من قاموا بوقفات إحتجاجية فى البنوك والشركات للمطالبة بتعيين أبناء العاملين أو بمعنى آخر توريث الوظائف لأبنائهم.
-
-شباب الثورة ومن تبعوهم للإستفادة السياسية منهم طالبوا بطى صفحة الدكتاتورية وإرساء الديموقراطية (يعنى ببساطة أن تكون حرية والنقد الرأى مكفولة) ونجد أن هؤلاء الشباب ومن تبعوهم أيضاً لا يقبلون أن يكون لأحد رأى مخالف، ومن تسول له نفسه الإختلاف فى الرأى معهم أو نقدهم سيسمع وصله سباب وشتائم تدل عن مدى تحضر الثوار وثقافتهم وسيكون محظوظ إذا لم يتم الإعتداء عليه بالضرب.
وطبعاً الأمثلة كثيرة وتعرفوها أكثر منى، وقبل أن تشتمنى وتطلق على صفة الحاقد على الثورة أو الفلول أو ماشابه تذكر أن من المفترض أننا فى عصر الحرية الجديد وحرية الرأى والنقد مكفولة ودعنى أكمل ما أريد أن أقول.
أنا أحد المصريين الذين لم تتغير معهم كثيراً الدنيا سواء قبل الثورة أو بعدها وعندما تكشف للناس حجم الفساد الكبير جداً شعرت بشىء من التفاؤل عندما علمت أن دولة بحجم مصر كانت تنهب وتسرق على مدار ثلاثة عقود وما زالت واقفة فإن هذا يعنى أنها ستكون دولة عظمى فى المنطقة، ولكن هذا التفاؤل خفت مع الوقت بسبب الناس، كل الناس ثورجية أو كنبة. ولكن لماذا معظم الناس هكذا (معظمهم وليس كلهم)؟
من أعظم مساوىء النظام السابق والأنظمة التى سبقته أيضاً ليس الفساد السياسي والمالى فقط وليس الأخلاقى فقط ولكن هو الفساد الإجتماعى. فتدنى مستوى التعليم والثقافة والتربية هو ما يسبب حالة الإرتباك الآن. فهناك الكثير من الناس لا تعرف معنى تحديد الهدف، لاتعرف معنى الرغبة فى التحضر والرقى, ولا تعرف معنى البناء ولا حتى أهمية الحصول على مستوى دراسى معين، فثقافة “ياللا نفسى” هى الغالبة علينا للأسف الشديد كأن كل واحد عايش فى وطنه الخاص. بالإضافة الى القهر الإقتصادى الذى كان المصريين يتعرضون إليه وإنشغال الآباء والأمهات بلقمة العيش أجبرهم على عدم إعطاء الأولوية للتربية السليمة. وعندما يجتمعا الفقر والجهل ينتجا الشخص الخطأ. ببساطة، هل تعتقد أن الشباب الغير متعلم أو الغير مثقف إذا كان قد وجد فرصته فى التعليم الجيد والعمل الذى يضمن له حياة كريمة أيام النظام السابق هل سيقوم بإعتصامات سواء فئوية أو سياسية، هل سيقوم بتخريب المنشئات، هل سيقوم بمشاجرات بالسلاح، هل سيلجأ للتحرش الجنسى لإشباع رغبته أو حتى بأعمال البلطجة؟
ولكن إنتظر………….
من بدأ هذة الثورة – أو لنكون أكثر دقة – من دعا لهذة الإحتجاجات هم من الشباب الذى يمكن أن نعتبره غير فقيرويستطيع التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ويستطيع التواصل مع جهات أجنبية بلغات أجنبية ويتلقى أموال وتدريبات خارجية ويستطيع العمل فى هيكل تنظيمى وظهرت قدرته فى الحشد والتأثير على الرأى العام أو وخصوصا رأى الشارع وتلقى الدعم المعنوى والتعطف الشعبى. إذن فهؤلاء لديهم حد أدنى من الثقافة ولا هم ضحايا قهر إقتصادى أو جهل تعليمى! إذن لماذا دعوا للإحتجاجات فى السنوات القليلة الماضية. فى رأى الشخصى أنهم جيل جديد توافرت لديه وسائل إتصال ومعرفة تمكنهم من مراقبة الشعوب الأخرى وأدوات تكنولوجية تجعلهم يقومون بالمقارنة بينهم وبين الأخرين. فالشباب يريدون أن يكون لهم دور فى مجتمعهم ومن يسمع لهم وتتوافر لهم بيئة الإبداع أسوة بشاب أوروبا أو أمريكا أو النمور الأسيوية. وخصوصاً أنهم لم يعاصروا العقود السابقة ولا يعرفون كثيراً عن التاريخ السياسى الحديث وولدوا وترعرعوا فى مجتمع أقل مايوصف به أنه فاسد فمن الطبيعى أن يطالبوا بالإصلاح وهذا شىء حميد يجب الإعتراف بفضله فى التغيير وأنه أتاح للمصريين الفرصة للكلام حتى للمعارضين المخضرمين الذين كان الكثير منهم يعارض على إستحياء. بإختصار النتيجة أن زادت مساحة الحرية فهى لم تكن معدومة ولكن زادت مساحتها.
بالرغم من هذة النتيجة الحميدة فإنها مازالت تفتقر إلى الحد المطلوب من ثقافة الإستماع للرأى والرأى الآخر ولم تلغى ثقافة الكذب والتخوين بل وحصد المكتسبات بحق وبدون حق.
ستجد أن الشباب من دعوا لهذة الإحتجاجات ترجموا نجاحهم فى إلى مكتسبات شخصية وغرور جعلهم يعتقدون أنهم الحكام الجدد للدولة المصرية ونسوا ماكانوا يدعون إليه من حرية الرأى وأصبحوا يفرضون رأيهم بالقوة ويعارضون ويسبون من يعارضهم فى الرأى سواء كان من الشباب مثلهم أو من أكبر منهم سناً (الشوق لممارسة الدكتاتورية). وهناك فئة إتجهت للخارج للتمويل وحضور المؤتمرات والإدلاء بتصريحات والظهور فى الوسائط اللإعلامية – فهم لم يجدوا الفرصة سابقاً لتحقيق الذات أو تكوين الثروات فى عصر النظام السابق ووجدوه من الخارج وهذا أحد مساوىء النظام السابق يضاف إلى المساوىء التى ذكرتها سابقاً الذى حرَم الفرصة لتحقيق الذات السياسى والإعلامى لأى شخص إلا إذا كان من النظام. فهل لو كان لديهم حرية الرأى وإمكانيات تحقيق الذات وتساوى الفرص كانوا سيقومون بهذة الإحتجاجات.
ستجد أيضا السياسيين واللإعلاميين يتحولون ويتملقون لتحقيق مكاسب سياسية أو مادية أيضاً.
هل تعتقد أن هناك تغيير حقيقى؟
فى عصر النظام السابق كان هناك فساد مالى وتربح والآن الحركات وبعض المنظمات تتلقى تمويل من الخارج . كما أنه الآن هناك العديد من صور التعدى على أراضى الدولة والأراضى الزراعية والبناء بدون ترخيص، أليس هذا فساد مالى؟
فى عصر النظام السابق كان هناك فساد أخلاقى وتلاعب فى القوانين وتطبيق الشرع والآن ظهر الكثير من أعضاء المنظمات مثل 6 إبريل (بعض الأعضاء وليس الحركة نفسها) تدعوا وتمارس الحرية فى الإلحاد والعلاقات الجنسية وإزدراء الأديان والإلحاد بل والشذوذ أيضاً (إذا بذلت مجهود قليل فى البحث عن أصول هؤلاء المحتجيت ستجد ما أتحدث عنه). أليس هذا فساد أخلاقى؟
فى عصر النظام السابق كانت هناك علامات إستفهام كثيرة حول علاقاته مع الخارج وإتهامه بالعماله لإسرائيل والخضوع لأمريكا والتسول من الخليج وليبيا، والآن المنظمات المدنية والحركات تتدرب فى أمريكا وأوروبا على إسقاط النظم ودائما ما كانوا ينكرون حتى تم إظهار العديد من الدلائل وأضطروا للإعتراف بذلك. أليست هذه عمالة وخضوع مستقبلى لأمريكا وأوروبا؟
فى عصر النظام السابق كان هناك عدم إهتمام بالمواطن المصرى وعدم الإكتراث بمعاناته وهذا مايحدث بالضبط الآن حيث أن المعتصمين ومعهم الغوغاء لا يكترثون بالمعاناه التى يعانيها الكثير من المصريين بسبب الإعتصامات والفوضى وإنعدام الأمن.
من الواضح أيضاً وضوح الشمس – إلا إذا كنت تعيش فى الفضاء – أن الفوضى زادت وأصبح المستقبل غامض والأهم أن قلة الأدب زادت أيضاً من الشباب والمعتصمين والفئويين وطبعاً البلطجية. طبعا هذا نتاج سياسات النظام السابق البغيضة التى أفرزت مثل هذة السلوكيات التى تجمعت حت طفحت مثل بلاعات الشوارع.
أنا لاأشعر بتغيير حقيقى، وأتمنى أن تثبت لى الأيام العكس فالمصريين هم نفسهم المصريين وكما قلت فى البداية، فالنظام السابق هم مصريين ومن قبلهم مصريين ومن أتى بعدهم مصريين وضباط الشرطة والجيش مصريين والثوار مصريين وأنا وأنت مصريين أيضاً ، فأين الفرق إذاَ؟
أترك تعليقـك هنا